the prince24 المـديـر العـــام
نوع المتصفح : البلد : عدد المساهمات : 741 العمر : 27
| موضوع: ،، آدم الإنــســان وآدم الــرســول (عليه السلام) ،، السبت يناير 30, 2010 8:36 pm | |
| ـ آدم الإنسان وآدم الرسول ـ
لمْ يتمّ الخلط في أمرٍ مَّا ؛ كما تمّ الخلط بين آدميْن : ( آدم الإنسان المُجْتَبَى بعد معصيته ) ، و ( آدم الرسول عليه السلام المُصْطَفَى ) ، ولمْ يقع إرباك في التوثيق التاريخي ، وفي فهم الروايات ، ومعالجة آيات القرآن ، والخروج بعقيدة سليمة في عصمة الأنبياء وحقل العصمة ومداها ، لو تمَّ تدشين هذا التفريق منذ البداية .
فمع أن قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ (آل عمران: 33- 34) ، يُخبرُنا بأن الله تبارك وتعالى اصطفى إنسانًا يُدعَى ( آدم ) ، ومع العلم أن الاصطفاء فعْلُ تنقيةٍ ، واختيارِ فردٍ من مجموعة أفراد ، فلم يتنبَّه أحدٌ أن ( آدم المُصْطَفَى ) هذا هو غير ( آدم المُجْتَبَى ) ؛ بل هذا ( آدم أبو الرسل ) ، لا ( آدم أبو الإنسان ) ، بدليل قوله تعالى : ﴿ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ﴾ (آل عمران: 34) ، وقوله سبحانه : ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ (مريم :58) .
فإذا كان ( آدم ) هنا أبو الناس جميعًا ، فما وجه اختصاص النبيّين أنهم من ذرّية آدم الأوّل ؟ فحتى الساقطون والمجرمون هم من ذرّية ( آدَمُ الأوّل المُجْتَبَى ) ، ولا أحد من الناس ممَّن عليه حساب وكتاب إلا من ذرّية آدم الأوّل . أمّا النبيّون- عليهم السلام- المذكورون هنا فهم من ذرّية ( آدم الثاني المُصْطَفَى ) ، وهو أبو الرسل بعده .
بهذا تُزالُ العقدة التي سُجّلت في التوراة بتأريخ عهد ( آدم ) أنه قبل الميلاد بـ( أربعة آلاف سنة ) ، أو أكثر من ذلك ، وهي أوّل ما أَوْرَثَ الوَهْمَ ونَسجتْه وأدخلته على الأمّة ، وتلقّفه النسّابون ، فمضى النسّابون العرب بشبيه ذلك . فـ ( آدم ) الذي نَسَلَ ( شِيثًا ) حتّى جاء ( نوح ) ، ليس هو إلا ( آدَمُ الرَّسولُ المُصْطَفَى ) ، ولا علاقة له بـ ( آدَمَ الإِنْسان المُجْتَبَى ) ، ولا بزمنه .
وتُحلُّ بهذا معضلة علميّة ، أبى المفسّرون إلا تجاهلها ؛ كأنهم يريدون إلا إيقاع التناقض في كتاب الله سبحانه ، أو صدمه بحقائق العلم . إن الكشف الأحفوري والآثاري للإنسان يثبت سبق الوجود الإنساني التاريخَ التوراتي المُدَّعَى لـ ( آدم ) بعشرات الآلاف من السنين . فالفصل بين ( آدم أبي الإنسانيّة ) ، و ( آدم الرسول أبي النبيّين ) من بعده منهجيةٌ منطقيّةٌ ، ودقّةٌ قرآنيةٌ ، وتصديقٌ علميٌّ ، وتصويبٌ تاريخيٌّ ، وإيقاعُ اصطلاحٍ وتسالمٍ بين مصادر المعرفة الحقَّة ، وهو في الأخير إصلاحٌ اعتقاديٌّ لجملة من الأمور المتوارثة خطأ . ً
{عن مجلة جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية بتصرف}
وإضافة إلى ما تقدم نقول :
أولاً- قال الرازي تعقيبًا على قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ (آل عمران: 33) ، قال: « أجمعوا على أن المراد بهذا الاصطفاء إنما هو النبوة » . وقال الزجاج : « اختارهم للنبوة على عالمي زمانهم » .
وقال أبو حيان : « ذكر المصطفين الذين يحب اتباعهم ، فبدأ أولاً بأولهم وجودًا وأصلهم ، وثنَّى بنوح عليه السلام ؛ إذ هو آدم الأصغر ، ليس أحد على وجه الأرض إلاَّ من نسله ، ثم أتى ثالثًا بآل إبراهيم ، فاندرج فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المأمور باتباعه وطاعته ، وموسى عليه السلام ، ثم أتى رابعًا بآل عمران ، فاندرج في آله مريم وعيسى عليهما السلام ، ونصَّ على آل إبراهيم لخصوصية اليهود بهم ، وعلى آل عمران لخصوصية النصارى بهم ، فذكر تعالى جَعْلَ هؤلاءِ صفوة . أي مختارين نقاوة . والمعنى : أنه نقاهم من الكدر » .
وقال ابن عاشور : « فابتُدىء هنا بذكر ( آدم ونوح ) ، وهما أبَوا البشر ، أو أحدُهما .. فأما ( آدم ) فهو أبو البشر باتفاق الأمم كلها إلا شذوذًا من أصحاب النزعات الإلحادية الذين ظهروا في أوروبا واخترعوا نظرية تسلسل أنواع الحيوان بعضها من بعض وهي نظرية فاشلة . و ( آدم ) اسم أبي البشر عند جميع أهل الأديان » .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ممَّن اصطفى الله سبحانه ( آدم ) في آية الأعراف ، إن كان المراد به : ( آدم أبو البشر ) ، والله تعالى يقول : ﴿ الله يَصْطَفِى مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ ﴾ (الحج: 75) ؟
هل اصطفاه من الملائكة ، أم ا صطفاه من الناس ؟ وإن كان قد اصطفاه من الناس ، فكيف تمَّ اصطفاؤه منهم ، وهو أصل البشر كلهم ، وأبوهم ؟ أم أن لاصطفائه معنى آخر غير معنى اصطفاء من ذكر معه ، وهو أن الله سبحانه أسكنه الجنة ، وأسجد له الملائكة ، وعلمه الأسماء كلها ؛ كما قال أحد العلماء ؟
ثانيًا- قال الله تعالى في نوح ولوط عليهما السلام : ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ﴾ ( التحريم: 10) . وقال في نوح عليه السلام : ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ﴾ (الإسراء: 3) .
وقال في إبراهيم عليه السلام : ﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ (البقرة: 130) .
وقال في موسى عليه السلام : ﴿ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ﴾ (الأعراف: 144) .
وقال في إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام : ﴿ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ﴾ (ص: 47) .
وقال في مريم عليها السلام : ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾ ( آل عمران: 42) .
وقال في يوسف عليه السلام : ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ ﴾ (يوسف: 24) .
وتعقيبًا على بعض هذه الآيات قال الرازي : « فكل هذه الآيات دالة على كونهم موصوفين بالاصطفاء والخيرية ؛ وذلك ينافي صدور الذنب عنهم » . وقال في موضع آخر : « أنه تعالى حكى عن إبليس قوله : ﴿ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ (ص: 82- 83) ، فاستثنى من جملة من يغويهم المخلصين ، وهم الأنبياء عليهم السلام .. وإذا ثبت وجوب العصمة في ح ق البعض ، ثبت وجوبها في حق الكل ؛ لأنه لا قائل بالفرق » .
والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا : إن كان المراد بـ ( آدم المصطفى ) : ( آدم أبو البشر ) ، فهل كان الثاني معصومًا من الخطأ والذنب ، وكان في منجى من إغواء إبليس له ؟
ثالثًا- ذكر الرازي في تأويل قوله تعالى : ﴿ ذُرّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ﴾ (آل عمران: 34) وجهين :
أولهما : ذرية بعضها من بعض في التوحيد والإخلاص والطاعة . ونظيره قوله تعالى : ﴿ المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ ﴾ ( التوبة: 67) ؛ وذلك بسبب اشتراكهم في النفاق .
والثاني : ذرية بعضها من بعض ، بمعنى أن غير آدم- عليه السلام- كانوا متولدين من آدم عليه السلام . ويكون المراد بالذرية مَنْ سوى آدم .
والسؤال الثالث الذي يطرح نفسه أيضًا : هل يجوز في الوجه الأول تفسير ﴿ ذُرّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ﴾ ، في التوحيد والإخلاص والطاعة ؟ وهل يجوز قياس هذه الآية على قوله تعالى : ﴿ المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ ﴾ ؟ وإن كان لا يجوز ، فهل يجوز على الوجه الثاني أن يستثنى ( آدم ) من الذريَّة ، فيكون المراد بهذه الذريَّة مَنْ سوى آدم . أي : نوح وآل إبراهيم ، وآل عمران ؟ وكيف يجوز هذا ، وآدم- عليه السلام- داخل في هذه الذرية التي بعضها من بعض ؟؟؟!!!
رابعًا- قال القرطبي عند تأويل لفظ خليفة : « والمَعْنيُّ بالخليفة هنا - في قول ابن مسعود وابن عباس وجميع أهل التأويل - آدم عليه السلام ، وهو خليفة الله في إمضاء أحكامه وأوامره ؛ لأنه أول رسول إلى الأرض ؛ كما في حديث أبي ذر ، قال : قلت : يا رسول الله أنبيًّا كان مرسلاً ؟ قال : ( نعم ) .. الحديث » .
واستطرد القرطبي قائلاً : « ويقال : لمن كان رسولاً ، ولم يكن في الأرض أحد ؟ فيقال : كان رسولاً إلى ولده ، وكانوا أربعين ولدًا في عشرين بطنًا ، في كل بطن ذكر وأنثى ، وتوالدوا حتى كثروا » .
والسؤال الرابع الذي يطرح نفسه هنا أيضًا : كيف يصح في فطر الناس وعقولهم أن يرسل الله سبحانه رسولاً لأولاد هذا الرسول قبل أن يولدوا ويتكاثروا ، والله سبحانه يقول : ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ (الإسراء: 15) ؟ ثم هل يجوز أن يتكاثر أولئك الأولاد عن طريق تزويج الأخ الذكر بأخته الأنثى ؟ وكيف يسمح آدم لنفسه ، وهو الرسول العاقل الروحانيُّ المتسامي بهذا النكاح الهمجي المحرم ؟ وهل يرضى الله سبحانه بمثل هذا النكاح ، فيبيحه ابتداء ، ولو اضطرارًا ، ثم يحرمه ؟
خامسًا- هذه الأسئلة ، وغيرها كثير ، نترك الإجابة عنها للعقلاء الذين لا يرون إلا رجلاً واحدًا اسمه آدم ، هو أبو البشر ، وهو الرسول الأول ، ويتهمون كل من خالفهم الرأي بالإلحاد ، ونختم بقول الله جل وعلا : ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ﴾ (النساء: 82) ، وقوله تعالى : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ (محمد: 24) . | |
|